أمَّا بعدُ:فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ:حقَّ التَّقوى وتزوَّدوا من الصَّالِحَاتِ فَهيَ خَيرٌ وأبقى أيُّها الكرامُ:وَمِن الصُّورِ المُضَيئةِ لِكسبِ جِيرَانِنا واستِبْقَاءِ مَوَدَّتِهم! إني لأستحي أن أسألك وأنا في بيته، فتحين هذا الأمير خروج هذا العالم من بيت الله الحرام، فلما التقاه في الخارج قال: والآن ألك حاجة نقضيها؟ فقال العالم: أمن حوائج الدنيا هي أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: ما سألت الذي يملكها أأسألك أنت؟!! فإن من الأخلاق المحمودة، والصفات النبيلة: الاستغناءُ والعفة عما في أيدي الناس، فقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: " اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ الهُدَى والتُّقى والعفافَ والغِنى" | أيُّها المُؤمِنُ: شَارِكْ جِيرانَكَ فِي أَفْرَاحِهم وأَتْرَاحِهِمْ، وَقَدِّمِ المَعرُوفَ لَهُم، وأشْرِكُهُمْ مَعَكَ كَذلِكَ، لِيَكُونُوا أوَّلَ الحَاضِرينَ عِنْدَكَ أظْهِر بِهمُ الحَفَاوةَ وَضَعْهُم فِي أعزِّ مَكَانٍ وَمَقَامٍ، عُدْهُم إذَا مَرِضُوا، تَفَقَّدهم إذا غَابُوا، قِفْ مَعهم عِندَ الشَّدَائِدِ، انْصَحْ لَهم، وَأَحسِنْ عِشَرَتَهم، استُرْ عُيُوبَهُم، وَكُنْ رَحمَةً عَلَيهم! قال الحسن البصري: " كان من كان قبلكم يقرِّبون هذا الأمر أي: الموت؛ كان أحدهم يأخذ ماء لوضوئه، ثم يتنحى لحاجته؛ مخافة أن يأتيه أمر الله وهو على غير طهارة، فإذا فرغ توضأ " |
---|---|
في يومٍ من أيام العطلة الصيفية , كنت عائداً مع أبي من السوق , وحين وصلنا الى البيت شاهدنا سيارةً كبيرةً محملةً بالأثاث , وصناديق متعددة الاحجام , واقفةً أمام المجاور لنا | فاللهُ تَعَالى يَقُولُ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ |
يا لها من موعظة تقرع القلوبَ عسى أن تتعظ وتعتبر! إن العيش في الدنيا باستحضار ذاك المصير المحتوم يحمل على التخفف منها، وعدم الركون لها أو الاطمئنان بها، ويدعو إلى تقصير الأمل فيها وتعظيم الرغبة في الآخرة؛ فلا تكون الدنيا لمن هذا حاله أكبر همّ أو مبلغ علم وإن عُمّر فيها وملك فيها ما ملك.
متن الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : ما المسؤول بأعلم من السائل ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم رواه مسلم | ما اسرع ما نسوني احتضر أحد الصالحين فاجتمع أولاده من حوله، فاجتمعت الزوجة والأبناء والبنات، فقال للزوجة: ما يبكيك؟ قالت: أبكي ترملي من بعدك، وقال للأولاد: وأنتم ما يبكيكم؟ فقالوا: نبكي يتمنا من بعدك، فقال: تباً لكم! جبريلُ -عليه السلام- ملَك من الملائكة العظام، أتى النبي محمدا -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: "يا محمد"، خاطبه باسمه المجرد، ولم يخاطبه بوصف النبوة أو الرسالة، لم يقل له: يا نبي الله أو يا رسول الله، وإنما خاطبه قائلا: "يا محمد"، وفي هذا إشارةٌ واضحة أن هذه الوصايا الخمس ليست خاصةً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هي عامة، إنما هي تذكرة وموعظة لكل فرد من أمته من بعده -صلى الله عليه وسلم- |
---|---|
معاشر أمة الحبيب النبي -صلى الله عليه وسلم-: هذه وصايا عظيمة جليلة نافعة أوصى بها جبريل -عليه السلام- محمدا -صلى االله عليه وسلم- فقال: " يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤُه عن الناس" | نَعم النَّاسُ بِحمدِ اللهِ عندَهُم خَيرٌ عظِيمٌ وَغَيرُ مُحتَاجِينَ لِطَعَامٍ ولا لِشَرَابٍ ولَكِنَّ الهَدِيَّةَ لَها مَعْنىً وَمَغْزَىً! وأَعظَمُ الأخلاقِ وأَزْكَاها:أنْ تَتَحمَّل أذاهُ فَلا نُقَابِلُ إساءَتهُ بِمِثْلِها بَلْ نَصبِرُ على ذلكَ مَا استَطَعْنا |
وفي صحيحِ مُسلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ:«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
10مرت الأيام وخلالها تعارفت أسرتانا , وتبادلنا الزيارات , كانت الزيارات لا تنقطع , فتعمقت أوصال المحبة والاخاء الرائع بيننا | وَمِنْ صُوَرِ حُسْنِ الجِوارِ مَحبَّةُ الخَيرِ لِلجَارِ كَمَا يُحبُّها لِنَفْسِهِ، سَواءٌ بِدَفْعِ أيِّ أذىً عَنْهُ، أو بِجَلْبِ أيِّ مَنفَعَةٍ لَهُ، الخطبة الأولى: الحمدُ للهِ أَلَّفَ بينَ المؤمنينَ، وأَمَرَنَا بِالبِرِّ والإِحْسَانِ، جَعَل الإحسانَ إلى الجَارِ مِنْ كَمَالِ الإيمانِ، نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَه الواحدُ المَنَّانُ، وَنَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ دَارُه خَيرُ دَارٍ، وجِوارُه أَكمَلُ وأَكرَمُ جِوَارٍ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّم وَبَارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ الأَخيَارِ، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ القَرَارِ |
---|---|
أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ :أَمَّا الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ فَهِي قَوْلُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وأعمل مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزى به ، وَنَحْنُ نَقُولُ أَيُّهَا الْإِخْوَة : لِلْمُذْنِبِين وَكُلُّنَا ذَاكَ الرَّجُلُ ، اعْمَلْ مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزىٌ بِه ، فَلَيْسَ عَلَيْكَ رَقِيبٌ مِنْ النَّاسِ إنَّمَا الرَّقِيبُ هُوَ اللَّهُ ، وَنَقُولُ لِمَنْ نَذَرَ نَفْسَه لِنَشْرِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، اعْمَلْ مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزىٌ بِه ، وَنَقُول لدعاةِ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ وللساعين لِإِضْلَالِ شَبَابِ الْأُمَّةِ وَلِمَن يسوؤهم انْتِشَارُ الْخَيْرِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنَّكُم مجزيون بِه وَنَقُول أيضاً لِمَن اعْتَاد الذَّهَابَ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَرَأَ كِتَابَ رَبِّه وَهَلَّل وَاسْتَغْفَر اعْمَلْ مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزىٌ بِه ، وَنَقُولُ لِمَنْ سَخَّر وَقْتَه وَمَالَه وَجُهْدَه أَو جزءاً مِنْهَا فِي الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ وَبَيَانِ الْحَقِّ لِلنَّاسِ وَالسَّعْيِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ نَقُول : اعْمَلْ مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزىٌ بِه ، وَنَقُولُ لِمَنْ سَاءَه وَاقِعٌ الْمُسْلِمِين وَحَمَل هَمَّ الْإِسْلَام وَأَحَبَّ الْخَيْرَ وَأَهْلَه اعْمَلْ مَا شِئْت فَإِنَّكَ مجزىٌ بِه ، وَاَللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا | الاستعداد للموت فإنه آتٍ لا محالة روى الحاكم في مستدركه من حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتاني جبريل فقال: يا محمد! عباد اللهِ: الإحسان إلى الجار يدلُّ على كمال الإيمان وحسن الإسلام، سنُ عَلَاقَتِكَ مع جيرانك إرضاءٌ للهِ وإسخاطٌ للشَّيطان، حُسنُ الجِوَارِ بابٌ من أبواب الجِنانِ، فَاسْلُكوا خَيرَ نَهجٍ يُوصِلُكُم إلى مَرضَاةِ ربِّكم وأَحسنوا مَعَامَلةَ جِيرانِكُم تُفلِحوا |
واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وتأمل بارك الله فيك الفرق بين الشرف في الحديث وبين الشرف اليوم، فاليوم انقلبت الموازين، وسميت الأشياء بغير أسمائها، فأصبحنا نسمع عن غناء شريف، وعن رقص شريف، وعن فن شريف، وعن فواحش شريفة، فغيروا الأسماء، وغيروا المسميات، فيا الله! أيُّها المُؤمِنُ:شَارِكْ جِيرانَكَ فِي أَفْرَاحِهم وأَتْرَاحِهِمْ,وَقَدِّمِ المَعرُوفَ لَهُم،وأشْرِكُهُمْ مَعَكَ كَذلِكَ,لِيَكُونُوا أوَّلَ الحَاضِرينَ عِنْدَكَ أظْهِر بِهمُ الحَفَاوةَ وَضَعْهُم فِي أعزِّ مَكَانٍ وَمَقَامٍ،عُدْهُم إذَا مَرِضُوا,تَفَقَّدهم إذا غَابُوا,قِفْ مَعهم عِندَ الشَّدَائِدِ, انْصَحْ لَهم,وَأَحسِنْ عِشَرَتَهم, استُرْ عُيُوبَهُم,وَكُنْ رَحمَةً عَلَيهم! وفي وصية جبريل عليه السلام تصحيح لمفهوم الشرف الذي ضل طريقَه فئام ظنوه في الجاه والمال والنسب؛ وسريعاً ما بان سراب ظنهم؛ إذ بدا زيفه في العزل والافتقار وسوء عزاء الجاهلية.
21