ذهب مالك على خيله ليلاً ليراقب ابنه في تلك الليلة متخفياً، لكن سليمة بشدة انتباهه وتيقظه للخطر أحس بوجوده وظنه جنديًا من العدو، فما كان له إلا أن رماه بسهمه فورًا دون أن يتعرف على هويته، وكان مالك يحذره من بعيد ويقول أنا أبوك يا بني، فلم يكد أن ينطقها حتى كان سهم سليمة في قلبه، ليتفوه مالك بكلماته الأخيرة التي بقيت حتى يومنا هذا مضرباً للمثل، حيث كانت تلك القصيدة آخر ما تفوه به مالك بن فهم الأزدي، فقال: فَيا عَجباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً أُلَقِّمُه بأَطراف البَنانِ جزاهُ اللَه من وَلَدٍ جزاءً سُلَيمَةَ إِنَّهُ شراً جزاني أُعَلِّمه الرمايَة كُلَّ يَومٍ فَلَما اشتدَّ ساعِدهُ رَماني وَكَم علمتُه نظمَ القوافي فلما قال قافيةً هجاني أَعلّمه الفُتوَّة كل وَقتٍ فَلَما طَرَّ شارِبه جَفاني رَمى عَيني بِسَهمٍ أَشقَذيٍّ حَديدٍ شَفرتَاهُ لهذَمانِ توخّاني بِقَدح شَكَّ قَلبي دَقيق قد بَرَته الراحَتان فأَهوى سهمه كالبَرقِ حَتىّ أَصاب به الفؤادَ وما أَتَّقاني فَلا ظَفَرتِ يَداه حينَ يَرمي وَشُلّت منه حامِلةُ البَنانِ فابَكوا يا بَنيّ عليَّ حَولا ورَثّوني وَجازوا من رَماني | هكذا يفعلون من لا يؤتي المعروف أُكله فيهم، فما يكون منهم إلا الإساءة إلى من أحسن إليهم، وهم لا يقدّرون المعروف، وفي الأبيات أعلاه يسم العربي ابن أخته بنكران الجميل حين قال: لما اشتد ساعده رماني، أي أنه لما أصبح قويًا استقوى علي أنا، ونسي أني مربيه الذي علمته فن الرماية، ولكنه حينما رمى رماني، وأنا الذي علمته نظم الشعر، ولكنه حين قال الشعر هجاني، أي سبني |
---|---|
Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية | واضح أن هذه الكلمات كان الأصل فيها أن تجر عطفا على الخليل لأنها في معناها تفسير لقولي كثير من أهل اللغة ، ولا يصح أن يقال : هي معطوفة على كثير لأن ذكر الخليل فقط لا يفسر معناها ، ثم ما وجه اختصاصهم بالعطف على كثير ؟! له أخبار مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان معاوية يفضله ويقول: أشعر أهل الجاهلية زهير بن أبي سلمى، وأشعر أهل الإسلام ابنه كعب ومعن بن أوس |
وهذا لا يتنافى مع قول الرسول صلّ الله عليه وسلم عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، ولكن إذا تعاملت معهم بالحسنى ، وتنكروا لك ، فانصرف عنهم ، فالله يحب المؤمن القوي ولا يحب المؤمن الضعيف.
شاعر فحل مجيد، من مخضرمي الجاهلية والإسلام ويعتبر من أشعر أهل الإسلام كما كان المزني من أشعر أهل الجاهلية | وهو صاحب لامية العجم التي أولها: لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول مات في المدينة |
---|---|
فقرر مالك بمراقبة أبنه في نوبته، وقد كان سليمة على رأس الفرسان يحرس إلى ان جنهم الليل فبينما هو كذلك إذ أقبل مالك في جوف الليل متخفيا لينظر فعل سليمة، فأنتبه سليمة من صهيل خيله وهي تصهل بقدوم دخيل ففوق سهمه في كبد قوسه، فأحس مالك بذلك فنادى يا بني لا ترم أنا أبوك |
.